أينما تكوني فثمة لي مشاعر هنالك تدفئك، قلبي الصغير لا يكف عن النبض ليبقيني حياً أذكرك! أسمي وحروفه غابت منذ أن طغت عليهما أبتسامتك، تلاشيت مثل الأبخرة الثلجية الباردة وعمَت مكاني محبتك، تجسدتُ أمامك كـ شراع تدفعه الريح على شاطئ رماله بتعداد وداعتك، نبضي القابع خلف صدري الموصد بات مذ ليلة البارحة يجمع بعثرتي لينسج منها ثوباً حريرياً يدفئك.
فبالله كيف لعيني أن تغفو لليلة واحدة فحسب كي تنال قسطًا من الراحة وهي الحارسة هواك؟! وكيف لي بإقناع الفؤاد بأن الغرام قاتله إن لم يأمر الحواس بتقبل فكرة فتح العينين للنعاس؟!
الليلة.. الواحدة بعد منتصف الليل، السماء قاتمة، الشتاء لا يكف عن التريض وأبراز عضلاته، العيون تكاد أن تعتزل النشاط، الأرهاق يحتل كل ساعة ودقيقة وثانية، عضواً وعظمة ونبضة وقطرة دم بي. أوشكت على السقوط بين أحضان فراشي، تذكُرك يطرد النوم بعيدا، كأني أقول للشيطان إنّي أعوذ بالله منك، أصبحت أهدد النعاس بك طيلة الليالي الفائتة، وأصبح قلبي هو الآخر يهددني بكِ كلما ركن جسدي للراحة، فإن غفت عيني للحظة، وتبعتها لحظات في خلسة ما... ظل القلب يقظ يدفع الدم للعقل بقوة وغزارة حتى يظل بنيان الجسد على حاله، حتى شعرت أنني حارس منشأة عسكرية! لذلك لا ينبغي لعيني أن تغفل عما هي مقدِمة عليه، ففي كل دقيقة تقبض ساعتي على معصم يدي، كأنها تقبض على نبض الوريد لتستكشف مدى نشاطي، تبدّلت أحوالي ، وأصبحت جزء من المجموعة الشمسية التي تدور في فلك الفضاء من حول محورك يا شمس.
ومنذ تلك اللحظة وأنا قد ودّعت الفراش الذي كنت أركن إليه كل ليلة طلباً للراحة، مذ أتخذتك شمعة تضيء لي الليالي حالكة السواد، شديدة البرودة، فبالرغم من كَون الشمعة الممسك بها بمجامع يدي قد تُسقط على معصمي من حين لآخر سائلها الملتهب! إلا أنني لم أدعها للحظة واحدة من يدي، لعلمي أنها لم تفعل ذلك رغبة منها في إيذائي... بل على العكس تماما... فما فعلته كان ينم عن معارك طاحنة تحدث بينها وبين أذرع الشتاء التي لا تكاد أن تنتهي، فكان من حين لآخر تسقط من تحت رأس الشعلة على قدمي قطرات من سائلها الملتهب إثر شدة تزاحم الريح عليها لإطفاء شعلتها ومن ثمة تلاشيها حتى يسود الليل على مقعدي، فيستحوذ عليه ويخليني منه فلا تُرا لي عين واحدة تلمع أثناء مرور الشتاء من أمامي، لقد عجبت من ثباتها المنقطع النظير في مجابهة الشتاء كي تبقى على حالها الذي عهدتها عليه مشعة، براقة، ذي وهج تيقظ في الجسد ركام الدفء المتهالك، والمنعزل عن مقاعد الجالسين في حضرة الشتاء.
تلك الآلة التي تحمل في طياتها اللحن العذب الذي لا يخلو من رقة، اللحن الذي يشوبه بعض الحزن إلا أنه لا يتعس قلبك، بل يحملك على جناحين بِيض لعوالم أكثر دفء من هذا الذي أنت قاطنه الآن، عالم خالي من المجانين ومن الحمقى والمغفلين، عالم لا يستوطنه الأشرار والحاقدين، عالم السلام الممهد لغرس الخير في كل ربوعه، لغرس شتلة القرنفل والياسمين جنباً إلى جنب من دون أن تطأها أقدام المارة بقصدٍ أو عن دون قصد.
عجبت لعالم يحتفي بحبه يوم في العام! وحبي لها... لا يغفو ولا ينام!