Menu

بغض النظر عن مدى تألمك؛ هناك دائما سعادة في الحب.

الخميس، 27 يوليو 2017

أحاديث سمر في ليلة مع قمر

حين يصافحك القمر فلا تدع يده إليك ممدودة حتى يبلغ منه الجهد، إنه يود حمل ثقل عنك يوشك ان يبدد طاقاتك، ومن ثمة يغرقك في بحرٍ لجيّ لا سلامة فيه، فلا تأخذ من الدنيا عهداً بالنجاة وتصدقها، مهما أقسمت لك بأنها لا تبغي لك فيها إلا الخير.
في حضرة الشوق، والغروب يجمع خيوط الشمس من شتّى بقاع الأرض، واللّيل يعلن عن قدومه بأسراب من الحمائم أراها وهي تهرع سريعا للعُش، كل هذا ينبئني بأن الليل قد اوشك على الدخول، يسدل الليل سدوله، فيأتيني القمر عند شرفة غرفة نومي كعادته، كي يبقيني مستيقظا! اكاد أن لا ارى في ليلي شيئا سواه، ولا آراه هو الآخر يحرك ناظريه عنّي طرفة عين حتى يتمكن النعاس من أن يجمع بعثرتي على فراشٍ واحد ثم يهدهد افكاري على وسادتي كأمٍ حنون.

أحاول الانفكاك منه بكل ما اؤتيت من قوة هذه الليلة حتى لا يرسّخ فيّ مفاهيمه المغلوطة التي اعتاد على بثها داخلي كلما هاتفني الحر من خلف جدران بيتي، فلا اجد لي مفر منه إلا أن أغلق النافذة التي استقبل من خلالها الهواء النقي الممزوج بشيء من البرودة مما يطلق عليه مجموعاً بكل محتواياته بـ (النسيم) الذي يبقيني حيّا، فلست ممن يمكنه ان يعيش ميتا ولو لليلة واحدة، فكم احسد اناس ميتون لكنهم يتحركون! أشاهدهم أسفل منزلي وهم يعبرون الطرق، لا أنسى يوما أني رفعت صوتي مناديًا على أحدهم لأسأله عن مهنته في الحياة التي يمارس فيها نشاطه حتى يعود مساءً بهذه الحالة الرثة التي استنزفت طاقاته بشكلٍ شبه كامل.. فيجيبني مستهجنًّا ؟!! مهنتي ميتًا !!!

هكذا إذن الليل، يستدعي المخلوقات للعُش، إلى تلك الراحة التي يكدح لأجلها الإنسان ساعات طوال، الى ان تفنى قواه، وتتقلب صحته بين الصحة والمرض، ويستولى الشيب عليه رغم أنف كثرة الأطباء.

وانت يا قمر آآآه منك كما أنت لا تتبدّل، ولا تتغيّر إلا لسويعات، يدور علينا الزمن لينفينا لعوالم نجهلها ولا يدور عليك إلا ليعيدك صغيرا من جديد فنكبر نحن ونشيخ وصغارنا لازالوا يطلقون عليك هلالاً إلى ان تصبح بدراُ منيرا، وهكذا تدور حياتك من وإلى، بين هلال وبدر لا شيخوخة تأتيك لانك ابداً لا تموت، ولا تتبدل أو يأتي لينافسك في سمائك غيرك، او تتخلى عنك الشمس التي ترضعك من ضيائها ما يبقيك بيننا حيًّا إلى اليوم، كم عاصرت من جدودي القدماء ومن سبقوهم بسنين؟ لا يمكن ان يحصيها فاشل مثلي لا يحسن فن الحساب وجمع السنين! كما يحسن جمع عبّاد المال ثرواتهم.

أيها الصامت الغني عن التعريف، الليلة صيفية شديدة الحرارة والسماء الزرقاء ليست كما تبدو عليه، فهي ليلة معتمة لخلوها من النجوم، فما رايك اليوم واليوم فقط أن تدعني أمارس رياضة الغوص في اعماقي التي لا اكِلّ ولا املّ منها، واهرع أنت إلى السماء لتؤنس ظلمتها بشيء من نورك الذي استودعته الشمس في ثناياك، فإني لأستحي من ان اغلق نافذتي في وجهك وأنت الكريم الذي يوم أن تمنى العرب القدامى شيئا من سيدهم (رغما عن انوفهم) ليثبت نبوته أمام أعينهم كان طلبهم قبيحًا كريها، إذ طلبوا شق القمر!، وما ذنبك انت يا مسكين فيما يجول في خواطرهم من شكوك، ولماذا لم يطلبوا ان يخلق الله قمرا آخر يجلس بجانبك ليؤنس وحدتك؟! اليس هذا الطلب اجدى واحرى من ان يطلب، لذلك اشعر اني احمل من بعض اثامهم إذ العروبة تسري في دمي إلا اني ليس لي قلبا كقلب هؤلاء الذين اغتصبوا سعادتك وشقوّا لُحمتك، ويكأن تصورهم تعذيبك لربما يشفي غليلهم! أو يُدخل في صدورهم الإيمان! وما كان ليدخل إيمان في قلب يطلب الهدم دليلا على ان يُصدّق، لذلك اقول لك أغفر لي عروبتي و دعني هذا المساء اغفو، ولا يعني أني اشعر بشفقة تجاهك أن لا تطلق حريتي لليلة أو ليلتين اخلو فيها بنفسي بعيدا عن ناظريك اللذين يذكرنني بخلو العالم من حولي.

قف دهراً حيث أنت، فلن ابوح لك بشيء مما يستعذبك الحديث فيه عن دنيا الناس، إنما انت باقي بي أو بدوني، لن تموت، أو يفنى عمرك، كما انك ليس لك ساقين متعبتين من شدة الوقوف كساقي المنهكة، لا تنظر تجاهي بعينٍ يملؤها الحنين والشغف، أنت تعرف جيدا من أين تأتيني وتستنزف قواي بنظرتك التي تعرف جيدا اني لا اقوى على اهمالها او دفعها خلفي دون ان اعبأ بألامها من صنيع ذهابي، سأقص عليك شيئا مما لا تعرفه عن دنيا الناس، فأنت ايضا تعلمني درسًا هاما عن مهية الاحساس، فلا يعني أن لك قلبًا مصنوع من الحجر الاملس الصلب ان لا تكون لك مشاعر، إنما المشاعر تظهرها المواقف وليست الأحرف المكونة الكلمات اللامعة الخالية من روح.

في ساعة ما لا أذكر أفي ليل كانت او نهار، او في اي الفصول، كان كل شيء على ما يرام، الأرض اشعر بحرارتها كما يشعر الحي بسريان الدم في مجرى الشريان، والنور ينفذ من كل مكان، والابتسامة تخرج صافية كأن العين تمسك بالمصفاة فتصفي المشاهد الموحشة من قبل أن ترسلها للقلب ليرسمها على جدران الصدر... وهذا كله كان قبل سن النضج.

ف القلب دوما ما يمسك بكل مشهد تبثه العين إليه وينقشه على الصدر حتى يخلّده وهو يمارس حياته داخلك ليزودك بما جمع من صور ومنحوتات داخلك، فأحذر من أن تدع قلبك يرسّخ ما يمكن أن يؤلمه غدا، لأنه لا خلاص من كل ما يُنحت على جدران الصدر.

س: هل تحلم أن تعيش سعيدا؟ بـ(هكذا سؤال يبدأ سن النضج) ج: هذا طلب المستحيل، والاصرار عليه ما هو إلا كالسالك درب من دروب الخيال، ف السعيد الذي لا يشقى البتة هو الإنسان الذي لن يخرج من بوابة رحم امرأة، إن الطفل بل الجنين الذي يخرج من بطن امه اول ما يفعله البكاء، يبكي بحرقة وهو ينهر امه بصوت حنجوري، شاكيها للحضور على انها كانت سببا مع ابيه في استدعائه من زمن السراب السرمدي إلى زمن لا يمكن وصفه بشيء اكثر حقارة مما هو عليه الآن، وما يزيد الجنين تحسرا انه يرى الجميع من حوله يضحكون وهم لا يبالون لصراخه إلى أن مس الجنين الهم من استخفاف المحيطين ببكائه وبدأ يدرك تماما ما سوف يكون عليه بعد ممارسة الحياة، انسان فاقد لمعاني الشعور بالاخرين، يضحك ملأ فمه كالاحمق الذي فقد قلبه وبات يعاقر الحياة كمعاقرته للخمر.. بلا عقل. دون ان يلتفت لوهلة عن مستقبل هذا االطفل الضائع بين اطفال العالم التعساء.

إن الحالم والحالم فقط، هو ذاك الذي يمكن له ان يخلق عالم موازي يمكن أن يعيش فيه (صيانة لقلبه) جنبا إلى جانب عالمه الذي لم يطلبه لكنه فُرض عليه، إنها الغابة في صورتها المستحدثة، إنها الحياة التي يلاحقها الموت حيث سكنت.
لماذا كل شيء من حولنا يتكرر، لماذا ايام الاسبوع تعيد نفسها كل سبعة ايام؟ والشهر لا يكف عن الدوران هو الاخر، إن الشمس هي من تتسبب في ذلك مع الارض، كلاهما يتلاعبون بنا، يجمعون اعمارنا بشتى الصور، حتى أني اذكر يوما كنت اشاهد امي تعصر لي برتقالة في زمن فات فقلت لها اتعلمي يا امي ما تفعليه مع البرتقالة؟ هذا ما تفعله الشمس بنا في الارض، فنحن البرتقالة والعصارة امواتنا، والعصّارة الارض ويدك الشمس. هكذا يُراد بنا ان نظن أن العالم يتحرك، والواقع انه صورة ثابتة كما هي الحقيقة في افلام الرسوم المتحركة، اننا لسن من نتحرك، بل يوجد ما يحرك الاشياء من حولنا حتى نبدو كما لو اننا نجري، 

أبحث عن الخيوط التي في داخلك، فهي ما يتسبب في تحريكك رغما عنك، ف في كل منا عروسة ماريونت يتم تحريكها على خلاف رغبتنا ويتم صنع مستقبل لنا على خلاف ما نحلم به، قص الخيوط لو لم تستطع تكسيير الدمية، وتحرر.
اوَ ما شبعت بعد يا قمر من ثرثرتي، اظنني قد حدثتك بما فيه الكفاية مما يدور في عالمنا بعيد عن ناظريك، وإني لمحدثك بأكثر من ذلك لولا أني لم أُقبِّل في ليلتي هذه حواف فنجاني كي ارتشف منه مما يحوي من اكسير النشاط رشفة، لعلي ارى ان الفراش قد آن اوانه فإنه ليستحقني كما تستحق الشمس ساعة من النهار ان تشرق فيها لتدعك تغفو وترتاح من مراقبة نافذتي كل ليلة.

كثر تثاؤبي واُغرقت عيناي بالنعاس لذا اغفر لي ايها الطيب على رغبتي في احتضان وسادتي ومنح راسي جزء من الراحة حتى استعيد بعض عافيتي التى لا بد منها ان رغبت مواصلة سماعي، أمّا الآن فطاقتي استنزفت بكاملها كما لو أني بت روحا دون جسد.

طابت ليلتك أيها القمر، ولنا احاديث مماثلة في لياليك المقمرة. 

لـ +قلم فحم 
شارك:

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر قراءة شهريًا

المشاركات الأخيرة

تصنيف المشاركات

Unordered List

Text Widget

QalamFahm © قلم فحم