Menu

بغض النظر عن مدى تألمك؛ هناك دائما سعادة في الحب.

السبت، 30 ديسمبر 2017

وعلى هابيل السلام

جلست على أريكتي التي بجانب شُرفة غرفة مكتبي مستعينًا بعيني لرصد كل ما يتجول من حولي، فرأيتني ويكأني في صالة دور عرض سينما، أو أمام خشبة مسرح أشاهد كل ما يعبر من خلال عيني .. وأنا لا أبالي !

تمضي الساعات في ذيول الأيام، والأحرف في ركب الكلمات، أري الصغير يشيب قبل الأوان، والكبير يطمح في عمر آخر يُضاف إلى عمره المديد ليتسنى له البقاء إلى أن تفنى الأكوان!

عام ومن خلفه عام، إلى أن تصبح المحصلة أعوام متكدسة بالسنين العجاف تمضي ليتسع المجال لأخواتهن المفلسات بأن يدلين بدلوهن على كوكبنا المشؤوم مذ أول ليلة وطيء فيها لـ آدم الأول قدم على الأرض، ومن ثمة وُلِد قابيل وهابيل، فمات الطيب مقتولاً! وبقي قابيل ومن هم من نسله من بعده يستعمرو الأرض، فبذرو في تربتها بذور الكراهية، وأقاموا على اليابسة من يجردها من زينتها، قطّعت رؤوس النخيل وأُقتلعت الأشجار من جذورها، وجرفت المزارع والحقول والحدائق الغنّاء، وتم القضاء على سلالات عديدة من حيوانات بإسم الصيد والمرح والترف و,,, وسفكوا دمائهم فيما بينهم من اجل العروش ومِلء الكروش "كرام كانو، أو لئام" أختلطت الدماء الزكية بالمنتنة الكريهة فتشبعت بها التربة لحظة انقطاع القطر من الله. 

ويكأن البشر باتوا يعيشون في صراع السبق على إفناء سلالتهم، الكل أصبح يهرع لإفناء الكوكب من أخيه الإنسان ليتسنى له العيش على ظهر الكوكب بمفرده! حتى ولو وسعتهم الآرض جميعا، أو اتسعت لأضعاف أضعاف اضعافهم فهم على أتفاق غير معلن فيما بينهم، وهو أن لا يكسر أحد  قانون الغاب، حتى لا يعبر القطار من بينهم إلا وكان محمّلا بجثث من كانوا يطمحون للعيش بسلامة .. ولا حياة هنا للأبرياء. وإن شئت لقلت ... لا حياة هنا لأبناء هابيل! .. فهم غير مرحب بهم هنا.

هنا في عالمي المشؤم هذا .. يحتفل الناس هذه الأيام بنهاية العام! أو قل يحتفلون بقرب الآجال، يقيمون الأفراح وليالي الملاح بالرقص في الحفلات على إيقاع الطبول، ويثملون حد بلوغ الجنون! الجنون! الجنون!، يا إلهي !! ويكأنني اقول أنهم العقلاء حتى أتى ساقيهم فأذهب عقولهم كما يُذهب خيال المآتة الطير من على ظهر الحقل، هم الحمقى ولا شك في ذلك، وإن ارتدو النظارات الطبية الكبيرة التي تتكئ على انوف مثقفيهم في الازمان الغابرة التى تتتابع علينا.

فأنا على أعتاب عام جديد أقف، لأودع عام من عمري، فقد أصبحت مثل شجرة في فصل الخريف، تسلم أوراقها بالتتابع عام بعد عام، شجرة لم أزينها كما  يفعل المارة من امامي بشجيراتهم البلاستيكية ليلة ميلاد المسيح، المسيح الذي عاش على ارضنا غريبا، اليوم يُحتفل بميلاده! وياليت احتفالاتهم الصاخبة بميلاده الكريم كانت تتم بتشيد ملاجئ لإستضافة الغرباء والمشردين والجوعى الذين لم يعد لهم مأوى بعد أن أفنت الحروب شجرة عائلتهم، فأصبحوا من بعدهم اغصانا فرادا ملقاه على الأرض تذروها الرياح، لقد التهم صقيع الشتاء عظامهم مثل كلب مسعور، وثقبت ملابسهم وعبر منها الريح كعبور الرصاص من صدر الأطفال، فلم يجدو ركن يركنون إليه حتى يجمعو قوتهم لمزاولة طريق الحياة المُر الذي كتب عليهم،،  أليس من الآولى أن نقدم لهم يد العون بكل ما اؤتينا من عزم وقوة حتى يهنئوا بليلة الميلاد معنا.. تلك التي اصبحت مقدسة بكل ألوان الصخب عند عديمي الأبصار.

كم انتم بارعون ايها البشر في التمثيل، عجبت لكم، تمتلئ اوطانكم بدور السينما والمسارح في الميادين العامة، وتتقاتلون فيما بينكم من اجل الولوج إلى داخل صالات العرض لحصد مكان متقدما؟! لماذا كل هذا الجهد؟! وانتم جميعا بارعين ومبهرين في التمثيل على خشبة عالمنا التى تجمعكم جميعا مع محترفي التمثيل، بل وخالقي أنكم لأبرع  مما تشاهدون عبر التلفاز والسينما والمسرح وكل مكان تقام فيه فنون الزيف، ولأننا مفلسون من كل ما هو هابيل، ومتشبعون من كل ما هو قابيل، فقد ابدعنا صنعا في التنقل من عام لعام ونحن نحمل صفات أبن آدم الأول المشؤوم قابيل على ظهرنا حتى انحتى فينا كل عضو قائم.


كل عام وأنتم بخير يا أبناء قابيل! 

والسلام على روح هابيل، وكل من حمل في قلبه هابيلاً.

   qalamfahm@

السبت، 9 ديسمبر 2017

أريد ضعفًا !

سئمت القوة بكل ما تعنيه من تحمُّل!

أريد ان اكون طفلك يومًا

و اتدلل.

الصلابة انهكت قواي، وافنت شبابي مع  كل صراع... فإن لم تأتيني مشيا، أتيتك مهرولاً.. وأكملت معك المشوار.


أتذكرين...

حين كنت على ساقي تجلسين كطفلة اطعمها بيدي، فماذا لو اطعمتيني اليوم أنتِ بيدك ؟ وأنا أشاهدك؛ كما كنت أفعل معك وانت تتحركين أمامي كـ فراشة حطت على زهرة مباركة.


 أقولها...

وسأقولها ما حييت.

أريد كتفا..

اريد ضعفا..

سئمت القوة، والأقوياء.


أريد...

أن اطبع قبلتي على ثوبك الأرجواني، واستنشقك بين ثديك بمجامع رئتيّ.


أريد حبا...

وسأطعمك حد التخمة .


هيا البسيني ثوب أمان وسأبقى...

أعدك بأني سأبقى خالداً معك حتى بعد فناء الجيل؛ سأبقى كالنجوم من حولك يا قمر، ولن ارحل مع أقلاع الشمس.


تعالي... مابكِ؟ لا تخافي! 

تعالي وسألبسك ثوبي كي لا يتعرف عليك الشتاء فيحاصرك من كل اتجاه، تعالي و سأحيطك بين كفوفي بوئام فيحل عليك السلام و...


سأطعمك القبلة كالطعمة

سأهديكِ نبضة تتبعها نبضات

سأغرد على كتفك معزوفة سلام

سأرسو على شواطئك ولن ابرح موطنك

سأقضي الصباح والمساء  تحت سمائك... أذكرك.


سأكن تلميذك المقرب، وسأحفظ دروسك.


ساغرقك في شواطئي المتلاطمة بمحبتك حتى تتشربين ماء قلبي... وتثملي.


ليتك تغزوني...

لأرتاح مني !


أتعلمين ؟! كل من هم حولي يعلقون آمالهم علىّ، يستندون على كتفي، وأنا معلق بك كقلادة يوم عرسك، احملها على صدري... واهرول بها نحوك.


أنني فارسك القابع تحت ثيابك، احملك فلا يراني سواك، ادللك بكل ما بي من حنانٍ ووفاق؛ عشقت عينيكِ الناعستين حينما يدنو الليل بكل ما يحمل لك من راحة بين يدي


كلي يذوب في هواك، وأنا اتنافس لأجل الحصول على  قبلة هواك الابدية، اخافك واحبك! وادوب بسلاسة أكثر وأكثر وقلبي بيضعف كعادته

في هواك ويزيد....

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

قلبك مدينة لا تنام !

تهاتفك روحي، فيُسمع دبيب قلبي  من بُعد كذا وكذا، يطوق إليك، وإني لمستبصرا بك، وكلي شوق للقياك...

كل طريقٍ أخطو على ظهره بقدمين ثابتتين أراكِ فيه تقفين على جانبيِّ الطريق كالنخيل، مُرحبتا بخروجي من منزلي إلى أن أتيك بالخبر اليقين، فأنحت على جذوعك قلبي، وأفرغ ما بي فيك، وأخبرك إني ليك.

أعاتبك حين تغيبين، فأجدك في منتصف الطريق تضعين حواجز تعوقني إلى حين، أهجوك شاكيًا مما أجد في نفسي من إحتلال تعدّى حدود تحملي، فتسبق شفتيك كلماتي تقبلني، كي أنعم بوجهٍ سعيد!

هاتفتك الليالي وهجرت أوراق الكتب! فأتاها الغبار مدّعيًا محبتها والإعتناء بها، مهاجرا الشوارع المزدحمة بالمارة ليقطن مكتبتي الفارغة مني بعد أن اطمئن قلبه أني إليها لن اعود !

كل الشوارع فارغة، إلا منك...

وعند عودتي للمنزل بعد خلو السماء من الشمس أعدّ قهوتي (السادة) وأذهب بها إلى مكتبي كي أكتبك، فما أن أقدِم على إحتساء أول رشفاتي من قهوتي إلا وأجد نكهتها حلوة في فمي، ويكأني صببتها  من فمك.

شحذت همتي كي أقبض على القلم بمجامع يدي لأكتبك، ومع كل حرف اكتبه تقرع طبول القلب، واشعر اني غير قادر على استكمال الكتابة حتى تنتهي المعزوفة، اعني فنجان القهوة، إنني أعلم جيدا أن الرشفة الواحدة لها تتابع ينبغي أن أنتهي منها أولاً حتى أتابع.

ثمَّ وقعت عيني على الجريدة وانا غارق في إحتساء القهوة التي أطمح أن لا تنتهي، فإذا بالأخبار تتحدث عن اعصار وزلزال، فخرج فؤادي عن صمته قائلا... 

" وخالقي ليست امريكا أول من نزل بها اعصار مدمر، وليست المكسيك أخر من ترتج أسوارها من الزلزال، انما انا ايضا قد حلّت علىّ اشياء لا يمكن تحملها، انني اسقط في يديك كقطعة الحلوى في فم الطفل تتناقل بين اسنانه الصغيرة كرقصة على شاطئ بحر ثم تنصهر وتذوب حد التلاشي... فلماذا لا اجد الجرائد تهتم بأخباري ؟ ألست واحد من الناس!

فما ان انتهيت من قهوتي، وطويت الجريدة والقيت بها جانبا، وهممت لأستكمال ما كتبت إلا وحضر النعاس! وأين القهوة التي كنت اتكئ عليها؟ أذهبت مع الريح؟! أم تحللت سريعا كقطعة سكر في فمي؟!

والعجيب الذي كان من القهوة وعلمته حين أصبحت، أن مفعولها لم يكن لأجل  إطالة سهرتي على الكرسي! بل لأجل أن يطول أمد نومي، لأن الحبيب أعد العدة منذ الرشفة الأولى كي يتسلل من بين جفون عيني ويأتيني خفية ليكمل سهرته بجانب جسدي النائم، بعد أن أزعجه قرع طبول قلبي، فأتى ملبيًا حاجًا من حول فراشي.

ومنذ تلك الليلة وقد باتت القهوة إكسير حياة، يوم كانت دواء ومرسال غرام، تحملني للحبيب كالسفن الطافية على الماء، ليُنزل على جوارحي السلام، ويعم الأمان سائر جسدى، والقُبل الحمراء لا تفارق وجهي، والنعيم المقيم يأسرني.

فكيف سيكون حالي إذن... لو كنت امامي في يقظتي ومنامي؟!

الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

كالهواء نحيا به ... لكننا لا نراه !

في داخلي تلمست جدار.. صامت.. لا يستفيق من يتكئ عليه إلا على صوت الذكريات، أحلامه كعيدان الكبريت، وأمام بوابته صرح عظيم شيدته تراكم أفكار قاطنيه الذين سبقوني على مر العصور، بدأت خطواتي في اكتشافه بتؤدة، توقفت عند بعض معالمه التي اشبعت شيئا ضئيلا من جوع روحي للسعادة، ثم أكملت المسير حتى ترائى لي ان العودة باتت مستحيلة، والحلم هو الآخر بات حقيقة، ليست الحقيقة المتعارف عليها بين الناس بـ (الواقعية) المعاشة التي يمكن ان تتحرك عليها الأقدام أينما شائت وإن رافق مسيرتها بعض التحفظ إلى ان تتخذ لها فيها منزل أو طريق نحو ما تصبو إليه في بناء ما تود ان تكون عليه حياتهم، بل هو سجن ضيق يأبى أن يراني فيه نجما ساطعا سعيدا!
مشاعر جدارية تتصاعد شيئا فشيئا من أكفف الحياة إلى وسادة متحجرة خالية من كل شيء ذو قيمة، تيقظني من أحلامي لتفتح أمامي بابًا نحاسيًا مصبوغًا بالحنين!

حلم يستأسد على واقعي، كي يرديه قتيلاً، فيشفي غليله ويحني رأسي أمامه تعبدًا مقيتا وإذلالاً سقيما، غدر أعضائي لي يؤلمني كلما رأيتني أسير فيه دون ارادتي، ولا يسعفني عقلي في إتخاذ حيلة تنجيني من هذا السير المنتظم نحو الهاوية، والذي يشبه خطوات الجندي عندما يحتفي  بنفسه أمام القائد وخطواته السريعة وجسده الذي يشبه الخُشب المسنّدة. إن هذا الحال الذي يمثله الجندي أمام قائده يحدث معي أمام أحلامي التي يقودها قلبي تحت وطأة عاطفتي التي تمردت على عقلي فنالت أستقلالها، واصبحت سيدة نفسها، تفعل ما يحلو لها دون العودة لبقية الجسد، إنها باتت جائعة  للحرية أكثر فأكثر، على الرغم انها الآن تنالها بقدر لم تكن يوما لتتخيله، والعقل المسكين الذي كان يملك زمام الأمور بات في خبر كان.. كسيح!

إنني مبتور الأصابع بعد أن غادرتني عاطفتي، والبيانو لازال يشدو بأسمي كي آتيه، وما الذي يمكن أن افعله بعد إتياني إليه سوى المزيد من الأحباط والعجز! إن الساعة التي لا يمكن أن يحركها الزمن لا يمكن أقناع الناس بشرائها.

الأحلام والواقع مجتمعين في عيني، متناغمين على أختلاف مصادرهما وطباعهما، أراهما أيضا يلاحقاني في عينيّ أنثى لها نفس لونين العينين المختلفتين! ماضي ومستقبل بينهما حاضر مبتور! مثلي، إنه الحاضر الذي اسعى لإستكماله معها كي تجد صورتنا ذاتها بين الصور المعلقة على حائط الذكريات، ولكني وانا في طريقي معها أسعى نحو الكمال .. غرقت في قاعها، وتجمدت حواسي كلها، لم اعد اراني كائنا متحركا كالصورة التي كنت عليها من قبل! لم يعد يُسمع لي صوت بعد ان توقف اللسان عن الحركة، إن كل شيء بات ساكنا تماما، إلا شيئين إثنين .. معدومين ثالث يجاورهما الحركة، وهما: صوت دقات تُسمع من شق صدري الأيسر، وساعة على معصمي الأيمن، الأولي تضخ الدم، والثانية تدفع الزمن الذي يقف امامي كحجر عثرة.

إن البوابة التي فُتحت لي تلك، النحاسية العتيقة التي تشبه بوابات الاحياء القديمة التي كنا نعلّق عليها رؤوس أعدائنا الذين كانوا يعدّون لنا المكائد يوم كنّا أمة تستحوذ على المجد كله، يوم كان الرجال عملة رائجة في ذاك الوقت! تلك البوابة التي لم اعد قادر على نبشها بأظافري، والتي تحجب عني نور الشمس، من تأبى ان تمنحني حريتي، كانثى متوحشة سادية ترفض أن ترحل دون أن تمتلك كل من عجز عن امتلاكه اسلافها. هي ذاتها صاحبة العينين المتوردتين في وجهي، هي اللعنة التي تأبى ان تفارقني، هي الشفرة الغير قابلة للفك! هي التي تجد في مسعاها يوم أن تخاذلت أمام نفسي حين سنحت لي فرصة الهروب ولم اهرب ظناً مني أن الحياة تنسي بعضها بعضا، فما يأتي يوم إلا ويمحي الآخر، إلا انها لا تُنسى. هي الأقدار التي يأبى خالقنا أن يغيرها، أو يتيح لنا فرصة التغيير بأنفسنا، إنها الخطى التي تكتب علينا شئنا أو أبينا، انها الخلود في الأسر من أول رمق في الحياة إلى الخاتمة، إنها الصرخة التي يفهمها كل كائن حي برغم انعدام اللغة المنقولة على اسطرها، إنها سَكرة الموت التي لا تحتاج لتفسير كي يفهمها المشاهد ويعي نتيجتها. إنها البرقية التي يرسلها المرسل فارغة لاهلها ليتفحصوها ويعلموا ما فيها وإن كانت خالية من الاحبار فليست خالية من العنوان الذي استطاع الساعي ان يأتي بها من دون أن يخطئ مقر أهلها. هي الخواء الذي نجده في بطون الطبول الفارغة، الجنون الذي يأبى أن يتخلى عن العقل في ساعات الهزل. الشجن المتراص على الارصفة بين اقدام الباعة المتجولين الذين يقدمونه للناس ثمنا للحياة، انه الشيء الذي لا شيء فيه... 
كالهواء نحيا به ... لكننا لا نراه .

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

لست شبيها لأحد

حين تغفو عيني يستيقظ قلبي! يستيقظ على قرع نعلك على صحيفة صدري، على منحوتتك القابعة في ميدان روحي، والتي شكلتها بنفسي كي تشاركيني نبضي، أن تقذفي بقلمي ودواتي خلف ظهري، وتضعي كفك الحاني على صدري، أن تبتسمي لقرص شمس اغسطس الحار، وتخبريني بأن الربيع لقادم، أن تثلجي صدري ببتسامتك ومعي تغني أغنية لم يغنيها يوما احد ساقط، أن تعيشي للخلود، وترسمي لي ظل ممدود، كي لا تخطئه عيني وانا اصطحب فؤادي إليك،  في رحلة اقتفي بها اثرك اللامع عند استيقاظي.


إن الحياة معي غير متجانسة اطلاقا، الناس، الحيوانات، النباتات حتى الجمادات في معظمها لا تشاركني احلامي ولا اشاركهم الرغبة في امتلاك اي منهم.

أن تعيش وحيدا لا تعني أنك ميت،
أن تعيش وحيدا تعني انك لست شبيها لأحد.

لم يُخلق لك بعد شبيها يشاركك حياتك، يسير على نمطك، يغرد كالبلبل الذي لا تخلو  منه نافذة عند مطلع كل صباح ،

توأمة الروح ليست بالضرورة ان تأتي لكل أحد، فهنالك من خلقوا للوحدة، لان طبيعتهم لا يمكن لها ان تختلط بكل جنس بشري يشبهه في الهيئة ويختلف معه في المحتوى.
محال ان يقبل الماء العذب الزلال ان يختلط بالزيت، وهل يمكن للماء ان يقبل بأن يشارك من يزيد النار قوة إن اُريق عليها، وهكذا بعض طباع البشر  من ذوي الندرة التي لم تنجب ارحام النساء مثلهم إلا ما ندر، إنهم هؤلاء الذين لا يحبون منتصف الحلول، ولا يركضون نحو الهاوية اي ما كانت لأرضاء الحمقى من البشر، إنهم الذين لازالو كما هم غير ملطخين بالوان الحياة المزيفة، الوانهم طبيعية لا تقبل ان تتحول أو تتشكل على ايدي آثمة، تأبى أن يتم استخراج منها الوانا مع مرور الوقت تتحول لاشكال باهتة، ترفض وبشدة أن يتكاثر تعداد الألوان في اللوحات التي تنجبها ايدٍ مراهقة.

أن تعيش وحيدا لا تعني أنك تعيس، أن تعيش وحيدا، تعني أن لا احد يشبهك.
ليس سهلا ان يثير فيك احد الفضول، ان يبعث داخلك الحركة لاكتشافه، للتنبؤ بمستقبله او التحسس بما يلوح في اعماقه من فكر يطابق ما انت عليه، إن الوحدة تعلمك قوة النظر، أن تنظر للاشخاص بأعين صقرية، ترى المزيف والاصلي بعين خبير، ان تركض وانت في مكانك هذا فعل لا يتقنه احد غيرك، إن الارواح المرفهة لا يعرفها اهل الوحدة، لان ارواحهم منهكة وجدا، حتى لو كان صاحبها لا يبرح فراشه،

لا شيء يمكن له ان يغيرك مهما طال بقائه، لانك لم تعرف يوما أن تمسك قلما رصاصا وتكتب به ذكرياتك،
إن اول ما تعلمته وانت في المدرسة كيفية ان تمسك قلما من الحبر وتدون به كلماتك التي تتعلمها من اسلافك، لذا بات صعبا عليك محوها، وظلت تغذيك منذ نعومة اظفارك بمثاليتها اللامعة كقطعة الماس حتى ظننت انك في المدينة الفاضلة إلى أن كبرت وايقنت أنك ولدت في عالم لم تدرسه يوما في  الكتب، إنه عالم يأتيك فقط بشكل مباشر عبر شاشة زجاجية مسطحة. 

إن الذين لم تعرف ايديهم معضلة الاحبار والولوج في هذا العالم الشديد التعقيد، وفضلت التعلم بالاقلام الرصاص، تلاحموا بهذا العالم، لان كل ما كان يحتاجونه (ممحاة) بخسة الثمن بها يتم محو كل ما هو ماضٍ والبناء على الواقع، ليس لهم همّ في كيفية تغييره، بل البناء عليه اي ما كان، لا يعنيهم الجمال، بل تعنيهم الحياة اي ما كانت، وتحت اي سقف عاشوا، انهم هؤلاء الذين يصّعبون علينا الحلول، ويهدمون كل ثوابت الماضي الذي تعثرنا فيه فيما بعد عندما جمعنا الصورتين المتضادتين بين الامس واليوم لنستخرج الفروق الناتجة عن النظر فيهما، فشعرنا اننا نقارن بين الليل والنهار، بين النهر والبحر،  تعددت الاختلافات حتى عجزت العين على الاحصاء، وعادت وهي حسيرة لصاحبها تبكي واقعا مريرا شارك فيه كل من كان لا ينبغي له ان يتقدم خطوة واحدة للامام.
********
إن كل ما هو متحرك امامي لم يعد يطربني، الاشياء الثابتة الراسخة وحدها من تفعل ذلك، حتى لو كانت حجراً، إن خيال المآتة الذي قد نراه في منتصف الحقول لهو اعظم عندي من أن أكون كائنًا متحركًا مزيفًا.
~

الخميس، 27 يوليو 2017

أحاديث سمر في ليلة مع قمر

حين يصافحك القمر فلا تدع يده إليك ممدودة حتى يبلغ منه الجهد، إنه يود حمل ثقل عنك يوشك ان يبدد طاقاتك، ومن ثمة يغرقك في بحرٍ لجيّ لا سلامة فيه، فلا تأخذ من الدنيا عهداً بالنجاة وتصدقها، مهما أقسمت لك بأنها لا تبغي لك فيها إلا الخير.
في حضرة الشوق، والغروب يجمع خيوط الشمس من شتّى بقاع الأرض، واللّيل يعلن عن قدومه بأسراب من الحمائم أراها وهي تهرع سريعا للعُش، كل هذا ينبئني بأن الليل قد اوشك على الدخول، يسدل الليل سدوله، فيأتيني القمر عند شرفة غرفة نومي كعادته، كي يبقيني مستيقظا! اكاد أن لا ارى في ليلي شيئا سواه، ولا آراه هو الآخر يحرك ناظريه عنّي طرفة عين حتى يتمكن النعاس من أن يجمع بعثرتي على فراشٍ واحد ثم يهدهد افكاري على وسادتي كأمٍ حنون.

أحاول الانفكاك منه بكل ما اؤتيت من قوة هذه الليلة حتى لا يرسّخ فيّ مفاهيمه المغلوطة التي اعتاد على بثها داخلي كلما هاتفني الحر من خلف جدران بيتي، فلا اجد لي مفر منه إلا أن أغلق النافذة التي استقبل من خلالها الهواء النقي الممزوج بشيء من البرودة مما يطلق عليه مجموعاً بكل محتواياته بـ (النسيم) الذي يبقيني حيّا، فلست ممن يمكنه ان يعيش ميتا ولو لليلة واحدة، فكم احسد اناس ميتون لكنهم يتحركون! أشاهدهم أسفل منزلي وهم يعبرون الطرق، لا أنسى يوما أني رفعت صوتي مناديًا على أحدهم لأسأله عن مهنته في الحياة التي يمارس فيها نشاطه حتى يعود مساءً بهذه الحالة الرثة التي استنزفت طاقاته بشكلٍ شبه كامل.. فيجيبني مستهجنًّا ؟!! مهنتي ميتًا !!!

هكذا إذن الليل، يستدعي المخلوقات للعُش، إلى تلك الراحة التي يكدح لأجلها الإنسان ساعات طوال، الى ان تفنى قواه، وتتقلب صحته بين الصحة والمرض، ويستولى الشيب عليه رغم أنف كثرة الأطباء.

وانت يا قمر آآآه منك كما أنت لا تتبدّل، ولا تتغيّر إلا لسويعات، يدور علينا الزمن لينفينا لعوالم نجهلها ولا يدور عليك إلا ليعيدك صغيرا من جديد فنكبر نحن ونشيخ وصغارنا لازالوا يطلقون عليك هلالاً إلى ان تصبح بدراُ منيرا، وهكذا تدور حياتك من وإلى، بين هلال وبدر لا شيخوخة تأتيك لانك ابداً لا تموت، ولا تتبدل أو يأتي لينافسك في سمائك غيرك، او تتخلى عنك الشمس التي ترضعك من ضيائها ما يبقيك بيننا حيًّا إلى اليوم، كم عاصرت من جدودي القدماء ومن سبقوهم بسنين؟ لا يمكن ان يحصيها فاشل مثلي لا يحسن فن الحساب وجمع السنين! كما يحسن جمع عبّاد المال ثرواتهم.

أيها الصامت الغني عن التعريف، الليلة صيفية شديدة الحرارة والسماء الزرقاء ليست كما تبدو عليه، فهي ليلة معتمة لخلوها من النجوم، فما رايك اليوم واليوم فقط أن تدعني أمارس رياضة الغوص في اعماقي التي لا اكِلّ ولا املّ منها، واهرع أنت إلى السماء لتؤنس ظلمتها بشيء من نورك الذي استودعته الشمس في ثناياك، فإني لأستحي من ان اغلق نافذتي في وجهك وأنت الكريم الذي يوم أن تمنى العرب القدامى شيئا من سيدهم (رغما عن انوفهم) ليثبت نبوته أمام أعينهم كان طلبهم قبيحًا كريها، إذ طلبوا شق القمر!، وما ذنبك انت يا مسكين فيما يجول في خواطرهم من شكوك، ولماذا لم يطلبوا ان يخلق الله قمرا آخر يجلس بجانبك ليؤنس وحدتك؟! اليس هذا الطلب اجدى واحرى من ان يطلب، لذلك اشعر اني احمل من بعض اثامهم إذ العروبة تسري في دمي إلا اني ليس لي قلبا كقلب هؤلاء الذين اغتصبوا سعادتك وشقوّا لُحمتك، ويكأن تصورهم تعذيبك لربما يشفي غليلهم! أو يُدخل في صدورهم الإيمان! وما كان ليدخل إيمان في قلب يطلب الهدم دليلا على ان يُصدّق، لذلك اقول لك أغفر لي عروبتي و دعني هذا المساء اغفو، ولا يعني أني اشعر بشفقة تجاهك أن لا تطلق حريتي لليلة أو ليلتين اخلو فيها بنفسي بعيدا عن ناظريك اللذين يذكرنني بخلو العالم من حولي.

قف دهراً حيث أنت، فلن ابوح لك بشيء مما يستعذبك الحديث فيه عن دنيا الناس، إنما انت باقي بي أو بدوني، لن تموت، أو يفنى عمرك، كما انك ليس لك ساقين متعبتين من شدة الوقوف كساقي المنهكة، لا تنظر تجاهي بعينٍ يملؤها الحنين والشغف، أنت تعرف جيدا من أين تأتيني وتستنزف قواي بنظرتك التي تعرف جيدا اني لا اقوى على اهمالها او دفعها خلفي دون ان اعبأ بألامها من صنيع ذهابي، سأقص عليك شيئا مما لا تعرفه عن دنيا الناس، فأنت ايضا تعلمني درسًا هاما عن مهية الاحساس، فلا يعني أن لك قلبًا مصنوع من الحجر الاملس الصلب ان لا تكون لك مشاعر، إنما المشاعر تظهرها المواقف وليست الأحرف المكونة الكلمات اللامعة الخالية من روح.

في ساعة ما لا أذكر أفي ليل كانت او نهار، او في اي الفصول، كان كل شيء على ما يرام، الأرض اشعر بحرارتها كما يشعر الحي بسريان الدم في مجرى الشريان، والنور ينفذ من كل مكان، والابتسامة تخرج صافية كأن العين تمسك بالمصفاة فتصفي المشاهد الموحشة من قبل أن ترسلها للقلب ليرسمها على جدران الصدر... وهذا كله كان قبل سن النضج.

ف القلب دوما ما يمسك بكل مشهد تبثه العين إليه وينقشه على الصدر حتى يخلّده وهو يمارس حياته داخلك ليزودك بما جمع من صور ومنحوتات داخلك، فأحذر من أن تدع قلبك يرسّخ ما يمكن أن يؤلمه غدا، لأنه لا خلاص من كل ما يُنحت على جدران الصدر.

س: هل تحلم أن تعيش سعيدا؟ بـ(هكذا سؤال يبدأ سن النضج) ج: هذا طلب المستحيل، والاصرار عليه ما هو إلا كالسالك درب من دروب الخيال، ف السعيد الذي لا يشقى البتة هو الإنسان الذي لن يخرج من بوابة رحم امرأة، إن الطفل بل الجنين الذي يخرج من بطن امه اول ما يفعله البكاء، يبكي بحرقة وهو ينهر امه بصوت حنجوري، شاكيها للحضور على انها كانت سببا مع ابيه في استدعائه من زمن السراب السرمدي إلى زمن لا يمكن وصفه بشيء اكثر حقارة مما هو عليه الآن، وما يزيد الجنين تحسرا انه يرى الجميع من حوله يضحكون وهم لا يبالون لصراخه إلى أن مس الجنين الهم من استخفاف المحيطين ببكائه وبدأ يدرك تماما ما سوف يكون عليه بعد ممارسة الحياة، انسان فاقد لمعاني الشعور بالاخرين، يضحك ملأ فمه كالاحمق الذي فقد قلبه وبات يعاقر الحياة كمعاقرته للخمر.. بلا عقل. دون ان يلتفت لوهلة عن مستقبل هذا االطفل الضائع بين اطفال العالم التعساء.

إن الحالم والحالم فقط، هو ذاك الذي يمكن له ان يخلق عالم موازي يمكن أن يعيش فيه (صيانة لقلبه) جنبا إلى جانب عالمه الذي لم يطلبه لكنه فُرض عليه، إنها الغابة في صورتها المستحدثة، إنها الحياة التي يلاحقها الموت حيث سكنت.
لماذا كل شيء من حولنا يتكرر، لماذا ايام الاسبوع تعيد نفسها كل سبعة ايام؟ والشهر لا يكف عن الدوران هو الاخر، إن الشمس هي من تتسبب في ذلك مع الارض، كلاهما يتلاعبون بنا، يجمعون اعمارنا بشتى الصور، حتى أني اذكر يوما كنت اشاهد امي تعصر لي برتقالة في زمن فات فقلت لها اتعلمي يا امي ما تفعليه مع البرتقالة؟ هذا ما تفعله الشمس بنا في الارض، فنحن البرتقالة والعصارة امواتنا، والعصّارة الارض ويدك الشمس. هكذا يُراد بنا ان نظن أن العالم يتحرك، والواقع انه صورة ثابتة كما هي الحقيقة في افلام الرسوم المتحركة، اننا لسن من نتحرك، بل يوجد ما يحرك الاشياء من حولنا حتى نبدو كما لو اننا نجري، 

أبحث عن الخيوط التي في داخلك، فهي ما يتسبب في تحريكك رغما عنك، ف في كل منا عروسة ماريونت يتم تحريكها على خلاف رغبتنا ويتم صنع مستقبل لنا على خلاف ما نحلم به، قص الخيوط لو لم تستطع تكسيير الدمية، وتحرر.
اوَ ما شبعت بعد يا قمر من ثرثرتي، اظنني قد حدثتك بما فيه الكفاية مما يدور في عالمنا بعيد عن ناظريك، وإني لمحدثك بأكثر من ذلك لولا أني لم أُقبِّل في ليلتي هذه حواف فنجاني كي ارتشف منه مما يحوي من اكسير النشاط رشفة، لعلي ارى ان الفراش قد آن اوانه فإنه ليستحقني كما تستحق الشمس ساعة من النهار ان تشرق فيها لتدعك تغفو وترتاح من مراقبة نافذتي كل ليلة.

كثر تثاؤبي واُغرقت عيناي بالنعاس لذا اغفر لي ايها الطيب على رغبتي في احتضان وسادتي ومنح راسي جزء من الراحة حتى استعيد بعض عافيتي التى لا بد منها ان رغبت مواصلة سماعي، أمّا الآن فطاقتي استنزفت بكاملها كما لو أني بت روحا دون جسد.

طابت ليلتك أيها القمر، ولنا احاديث مماثلة في لياليك المقمرة. 

لـ +قلم فحم 

الخميس، 20 يوليو 2017

إن لم تجدني بجانبك، فتذكَّر أنّي بداخلك

 هكذا قالت لي المحبوبة يومًا "إن لم تجدني بجانبك، فتذكَّر أنّي بداخلك" التي أحمل لها في قلبي الحب الصافي، والعشق الفاخر، سيدة القلب انتِ، لا غنى لي عنكِ، تأكدى تماما انك سيدة القلب ومليكته، افعلي ما يحلو لك فقد عشقتك للابد، ولا تنسي أن تبتسمي ، فإبتسامتك تصلني اينما كنتِ، وامنحيني من ضحكاتك ما ينير قلبي فأنت نوره، وشيفرة سعادتي في بصمة انامل اصبعك، ابتهجي، فقلبي يتعبد بمحبتك داخل محراب صدرك ...

ثم رحلت!! رحلت رغمًا عنها، رحلت دون أن يُترك لها خيار البقاء، أو أن يسعها الوقت لكتابة برقية وداع تشرح فيها مستجدات الأحوال، رحيلها كان مربكا، مثّل صدمة للفؤاد، وليس لها عندي غير الحب الكامل دون نقصان، دمت ساطعة كالشمس على اي ارض كنتِ، وتحت أي سماء، أظلتك رحمات قلبي، وتذكرك لن يغفل عنه اللسان.
اتفقدك في عيون المارة،
أسأل عنك الحجر و الشجر،
الشمس والقمر، القُرى والحضر،
ابحث في ضواحي المدن والأزقة،
ابعث برقياتي إلى شتى أنحاء العالم
اتسائل؟! عن إن كانت تصلك (رسائلي)،
احاسيسي، أحرفي، شجني، دموع عيني،
دقات قلب هالك يرتجف من خلف ضلوعي؟


رحيلك يفقدني حاسة تذوق الطمأنينة، 
يبعثر الحزن داخل جزيئات كراتي الدموية، 
يقتلعني من الأرض الخصبة ليلقي بي في الصحراء.

مضت ليالي الشتاء الطويلة، وتبعها الربيع، والصيف هو الآخر أوشك على الأفول، ولم أعد أملك منك سوى زهرتك القرنفلية، ومزهريتك الوردية!
سعادتي الآن تنحدر بعيدا بعيدا حيث تنعدم رؤيتها، كل الطرق باتت متعرجة تحت قدم عرجاء ملوثة بالغياب، والسماء من بين كل هذا تشاهد هزائمي المتتالية دون حراك، والحزن يئن في اعماقي من تغول الألم... متسائلاً ، متى ينصرف الوجع حتى أقضي ساعة من العمر في سلام !

كل الأحلام تُنفق بالتساوي على الجميع بالمجان، والمشاعر وحدها هي من تدفع ثمنًا باهظًا لكل هذا الهراء.
الحياة ليست عادلة، هكذا كانت أول الدروس التى تعلمتها منذ أن كنت أدرس في المدرسة، ولربما هذا ما يجعلني الآن أجيب بها مع كل سؤال اسأله لنفسي ولا اجد له جوابا مقنعا "الحياة ليست عادلة" 

لكن من ذا الذي يمكن له ان يدفع فواتير كل هذه الأحزان المؤجلة، ومن يمكن له أن يبقى سعيدًا وهو مسلوب القلب الذي لم يعد تحت وصايته، إننا عندما نفقد حبيبا غالياً لا يمكن تعويضه بأي حال من الأحوال فهذا يعني أننا فقدنا القلب معه، القلب الذي يميزنا عن غيرنا، فبه وليس بغيره يمكن أن نتيقن من كوننا بشرا أو أننا لازلنا على قيد الحياة، فالقلب رئة الإنسانية يغذيها حتى لا يتحول الإنسان لوحش كاسر، كهولاء الذين يقتّلون شعوبهم ويحيكون الفتن التي تفرق لُحمة البشر ، إننا حين نفقد قلبنا مع اي كائن ما فنحن نعود إلى منازلنا خواء، لا شيء فينا يمكن أن نخشى عليه من السرقة، لذا تلازمنا اللا مبالاه ويصبح العزيز في اعيننا مهان !

من يعيد لي حبيبي، أو يعيد لي قلبي، أو يجفف من ساحة صدري الأحزان ؟!
علمتني الحياة أن طرقها وعرة غير ممهدة لأستواء الفرح عليها كي يتسنى له السير بسلاسة ليعانق اُناس هم أحوج أهل الأرض لإستقبال السعادة الآن قبل اليوم وبطبيعة الحال قبل غدًا، إلا أنه يتعثر ذاك البعيد كعادته في الولوج دواخلنا واستقدام الهناء والسرور وتلوين العيون الذابلة ببريق الفرحة كي تتعافى أرواحنا !

وهذا ما يجهض صبرنا في خضمّ كل هذا الموت الذي يجتاح اجمل وأطهر قلوب البشر = بـ "أن القادم أسوأ" عندها احنت مشاعري راسها لربها، واشارت بعينها التي لا تنام لقلبها~ أملاً في أن يتحمل وطأة حزنها إلى أن يتبدل حالها ويهدأ ضجيج نبضها ليستريح الصدر من شجن عشقه المدجج بأسلحة الأرق. المصوّب نحو قرنية العين؛ وهكذا نحاول ان نخدع انفسنا مرات عديدة بأننا قادرين على تخطي المِحن، وكيف نتخطاها وقد قُطّعت أقدامنا بمناشير حادة؟! وتُركنا في الخلاء على أرض جرداء ليس لنا فيها مأوى او عائلا يعولنا حتى نتعافى من سكرتنا! وهل يمكن ان يتعافى من هو في سكرات الموت؟! إنه الخيال يا سادة عندما يطعمنا الأمل المُر، الأمل الذي يتحول لقاذفة مدفع تقذف بالروح عاليا ثم تتركها وحدها كي تواجه ذات المصير دون رحمة او ابداء شفقة ممن هم حولها وهي على شفا السقوط!

أعود من حيث بدأت إلى ذات الطاولة الحاضنة لمقعدي التي يجلس عليها فنجان قهوتي اليقظ الملازم لكل منضدة تتكأ عليها يدي، وكنت من قبل أستجمع أوراقي من داخل أدراج مكتبي كي أذهب بها خارجا باحث لي عن مكانٍ اكثر اتساعا يمكن لي فيه ان أفرغ زفرات الصدر المهموم وأنّات القلب المكلوم من دون أن يُسمع لقلمي صريراً، ولكن هيها هيهات فأنّ للورقة أن تكتم ما يُدوّن على ظهرها من نقوش تقتلع السطور وتخدش صحيفتها البيضاء بخطوط ممتلئة بالمآسي .... 

وها أنا قد شرعت بالفعل في الكتابة ولازلت أكتب وأكتب والورقة على مضض تستقبل أحرفي التي من خلالها احاول أن افرغ شيئا ولو يسيراً من ثقل في القلب يوشك أن يقضي  على حياتي المنتهية الصلاحية بالفعل، كل شيء من حولي لم يعد له بريق كما كان بالأمس، أستوى الأحياء والأموات، والألوان الزاهية والقاتمة، حتى الرمادية لم تعد تسبب لي مشكلة،  فبعد فقدانك لقلبك لا يمكن لك أن تستجمع قواك، إذ من اين تستجمعها ومصدرها لم  تعد تملكه وهو قلبك، كيف تغيّر مسارك وتستعيد حركتك وانت فاقد لساقك، إننا التعساء عندما نشاهدنا ونحن مجردين من الثياب التي قد تمنحنا المجد، إن ضابط (الشرطة، أو الحربية) أو الطبيب أو المحامي أو أو أو ... من دون ثيابهم التي يعرفهم بها الناس فلن يشعرو بالمجد إذ انهم يعيشون في ثيابهم أكثر مما يعيشون  مع طبيعتهم الانسانية المجردة من كل هذه التخصصات، كذلك المحب الصادق، صعب أن تقول له عش حياتك كيفما كانت وهو الذي عاش حبه أكثر مما  يمكن له أن يعيش مع ذاته، إنه لا يعرفه دون نصفه الذي يمثل ثلثي القلب، كما يمثل الماء الغالبية العظمى على أرضنا ولا تملك اليابسة منها إلا الثلث فقط!

الفقد سهم في خاصرة القلب، لا يمكن تجاوزه كأي عقبة تحدث في حياتنا، إن المصائب تتنزّل على القلب تباعاً من بعده بقدر ما في القلب من حب، لذا الفقد  يعرف جيدا من أين يقتلنا،  إنه خبير عليم بما في مشاعرنا من صدق، لذا فأحذروه، إنّ المحب الصادق يرتاب كلما آتى هاجس الفقد، يخشى من أن يلوّح له من على بُعد متفوها بكلماتٍ مسمومة: "إني آتيك وقاتلك ولو بعد حين".

الجمعة، 17 فبراير 2017

الشمعة المتقدة

أينما تكوني فثمة لي مشاعر هنالك تدفئك، قلبي الصغير لا يكف عن النبض ليبقيني حياً أذكرك! أسمي وحروفه غابت منذ أن طغت عليهما أبتسامتك، تلاشيت مثل الأبخرة الثلجية الباردة وعمَت مكاني محبتك، تجسدتُ أمامك كـ شراع تدفعه الريح على شاطئ رماله بتعداد وداعتك، نبضي القابع خلف صدري الموصد بات مذ ليلة البارحة يجمع بعثرتي لينسج منها ثوباً حريرياً يدفئك. 


فبالله كيف لعيني أن تغفو لليلة واحدة فحسب كي تنال قسطًا من الراحة وهي الحارسة هواك؟! وكيف لي بإقناع الفؤاد بأن الغرام قاتله إن لم يأمر الحواس بتقبل فكرة فتح العينين للنعاس؟!
الليلة.. الواحدة بعد منتصف الليل، السماء قاتمة، الشتاء لا يكف عن التريض وأبراز عضلاته، العيون تكاد أن تعتزل النشاط، الأرهاق يحتل كل ساعة ودقيقة وثانية، عضواً وعظمة ونبضة وقطرة دم بي. أوشكت على السقوط بين أحضان فراشي، تذكُرك يطرد النوم بعيدا، كأني أقول للشيطان إنّي أعوذ بالله منك، أصبحت أهدد النعاس بك طيلة الليالي الفائتة، وأصبح قلبي هو الآخر يهددني بكِ كلما ركن جسدي للراحة، فإن غفت عيني للحظة، وتبعتها لحظات في خلسة ما... ظل القلب يقظ يدفع الدم للعقل بقوة وغزارة حتى يظل بنيان الجسد على حاله، حتى شعرت أنني حارس منشأة عسكرية! لذلك لا ينبغي لعيني أن تغفل عما هي مقدِمة عليه،  ففي كل دقيقة تقبض  ساعتي على معصم يدي، كأنها تقبض على نبض الوريد لتستكشف مدى نشاطي، تبدّلت أحوالي ، وأصبحت جزء من المجموعة الشمسية التي تدور في فلك الفضاء من حول محورك يا شمس.

ومنذ تلك اللحظة وأنا قد ودّعت الفراش الذي كنت أركن إليه كل ليلة طلباً للراحة، مذ أتخذتك شمعة تضيء لي الليالي حالكة السواد، شديدة البرودة، فبالرغم من كَون الشمعة الممسك بها بمجامع يدي قد تُسقط على معصمي من حين لآخر سائلها الملتهب! إلا أنني لم أدعها للحظة واحدة من يدي، لعلمي أنها لم تفعل ذلك رغبة منها في إيذائي... بل على العكس تماما... فما فعلته كان ينم عن معارك طاحنة تحدث بينها وبين أذرع الشتاء التي لا تكاد أن تنتهي، فكان من حين لآخر تسقط من تحت رأس الشعلة على قدمي قطرات من سائلها الملتهب إثر شدة تزاحم الريح عليها لإطفاء شعلتها ومن ثمة تلاشيها حتى يسود الليل على مقعدي، فيستحوذ عليه ويخليني منه فلا تُرا لي عين واحدة تلمع أثناء مرور الشتاء من أمامي، لقد عجبت من ثباتها المنقطع النظير في مجابهة الشتاء كي تبقى على حالها الذي عهدتها عليه مشعة، براقة، ذي وهج تيقظ في الجسد ركام الدفء  المتهالك، والمنعزل عن مقاعد الجالسين في حضرة الشتاء.

إن الشمعة المتقدة تلك هي ذاكرتي التي لا تكف عن إشعال طرف ثوب الحنين في أوصالي، تلك التي لا تحمل رياحها سوى الربيع المعبأ بعطر الياسمين والرياحين، إنني كلما أتجهت برأسي يمنة ويسرة وجدت زهور القرنفل من حولي تذكرني إياها، إنها الزهرة التي لا يمكن  تلاشيها مهما حاول الخريف ان يطغى بكل ما أُوتي من قوة على كل حدائق مدينتي، إنها الشيء الوحيد الذي لا يمكن للزمن أن يطمس معالمه، أو يحذف حضوره من كشوف المخلوقين. أصبحت أتأمل كل شيء من حولي  بكلتا عينيها البريئتين، وألمس جدران بيتي متتبع آثار أصابعها المفعمتين بالنشاط، فكلما أمسكت بها في أعماقي شعرت أني ممسك بآلة الكمان... 

تلك الآلة التي تحمل في طياتها اللحن العذب الذي لا يخلو من رقة، اللحن الذي يشوبه بعض الحزن إلا أنه لا يتعس قلبك، بل يحملك على جناحين بِيض لعوالم أكثر دفء من هذا الذي أنت قاطنه الآن، عالم خالي من المجانين ومن الحمقى والمغفلين، عالم لا يستوطنه الأشرار والحاقدين، عالم السلام الممهد لغرس الخير في كل ربوعه، لغرس شتلة القرنفل والياسمين جنباً إلى جنب من دون أن تطأها أقدام المارة بقصدٍ أو عن دون قصد.


عجبت لعالم يحتفي بحبه يوم في العام! وحبي لها... لا يغفو ولا ينام!


السبت، 4 فبراير 2017

عابرة!

عابرة ...
رأيتها كما يرى أحدكم الريح المرسلة،
تعبر أمامي، وأبتسامتها لا تفارق ثغرها

 صفاتها:
وضيئة، رقيقة، ثائرة، عاشقة!
ليست كأمثالنا نعشق ليلة رؤيا... 
وجه حبيب، ثم نغط×النوم وننسى!
بل هي كانت تعشق ما لا تراه الـ عين...

تعشق:
  • الشعور الدافيء الخارج من عمق القلب،
  • الأحاسيس المتناسقة مع الوجدان والسمت،
  • الهواء الذي يتخلل الثياب فيمس الجسد بإسهاب.


رأيتها:
فحضر البرق في ذهني متجسدًا من دون ان يصحبه الرعد،
فاح اسمها في فمي مثل الزهور الياناعات الراقصات
حتى اني عجزت عن تطويق العطر بين رئتاي.

نسيانها:
نسيانها يمثل انتشال الروح من الجسد
ينتزع من الماس بريقه المنتشر على سطحه الأملس
يعكر النهر العذب الجاري في وريد الأرض العامرة بالخصوبة

عابرة

كالأكسجين في الحياة، قد لا اراها، لكنني استشعر وجودها في كل وقتٍ ومكان أتجه إليه، إنها ربيع القلب، إذ تتحسس بخطاها الثابتة تربة قلبي الخصبة فيزداد الحب خصوبة في صدري، وتتسع له القصبة الهوائية كي تسع احتواء اكبر قدر ممكن من تلك الثروة التي تعبر داخلي من خلالها مثل غزالة برية في رشاقة وعنفوان وبهجة لا تخلو من دفء.

عابرة بين المروج والنبض يخفق بشدة كلما رقصت اشواقك على قمم روحي، وتنبت احاسيس خضراء، ويسعد الصمت بجواري... إذ يشاهدني وانا اتناول في اعماقي قبلاتك المتطايرة تجاهي والتي يحملها الريح  عبر الألآف من الاميال كي تستوطن في نهاية المطاف داخليفتتسع لها حدقة عيني لتشاهدها قبل ان تغرسين بذورها في فؤاديفتطرح الحب السائد.

صدقًا:
لم يعد قلبي الصغير يتحمل لهيب الشوق، وطيفك يحدق بي يراني من خلف جدران سميكة، تنفذين عبر الاشياء بأريحية وسلاسة كأنك كأئن شفاف يصعب الامساك به...

أينما تكوني وفي أي عالم كنتِ، فأعلمي ان اشعة محبتك تكسو قلبي وتنير دربي، فإذا غاب ذراعي عن تطويق جسدك فهذا لا يعني غياب رئتاي عن تطويق روحك، اسكنتك عنقي حيث لا يعبر هواء إلا من خلالك حتى يتغذى جسدى وروحي من محبتك التي لم ولن يكتب لها ابدا نهاية في حياتي.

منكِ وإليكِ وكلي وما أكتب عائد إليكِ

الأكثر قراءة شهريًا

المشاركات الأخيرة

تصنيف المشاركات

Unordered List

Text Widget

QalamFahm © قلم فحم